هل كازينوهات الإنترنت حلال أم حرام؟

يحظى الكازينو اون لاين بشعبية متزايدة في وطننا العربي، مع إقبال الكثير من اللاعبين العرب على ألعاب الكازينو وانتشار كازينوهات الإنترنت التي تعنى بالجمهور العربي تحت مسمى الكازينو العربي الذي يدعم اللغة العربية سواء في الألعاب أو خدمة العملاء أو توظيف ديلرات عرب لسهولة التواصل مع اللاعبين واللاعبات. يبحث البعض عن الترفيه والمتعة فقط، بينما يسعى البعض الآخر إلى الربح، لكن ما يشغلهم جميعًا دون استثناء هو مدى شرعية ألعاب الكازينو في الإسلام، باعتبار أن الإسلام هو منهجنا الأول على اختلاف ثقافاتنا، ونحن لا نرغب في مخالفة أيٍّ من تعاليم الدين.

القرآن الكريم كما نعلم هو الكتاب المقدس الذي يعيش جميعنا في هذه الحياة الدنيا على نهجه، سواء في العبادات أو المحظورات الدينية وكافة شئوننا الدنيوية باتباع آياته التي تقدم لنا النصح والإرشاد وتهدينا إلى ما علينا فعله وتحذرنا مما ليس علينا لنقترب من الله قدر الإمكان. لكن الإشكالية تتمثل في مدى فهمنا لآيات القرآن ومعانيه الظاهرة منها والمبطنة، ومدى اتساقها مع حياتنا المعاصرة بعد 1400 عام من التنزيل الكريم، ومرونة تفسيراته، حيث قال صلوات الله وسلامه عليه “اختلاف أمتي رحمة”، وقال بعض تابعيه “ما أرى أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم اختلفوا إلا رحمة من الله”. لقد كان لدى الرسول الحكمة والبصيرة الكافية لإرشادنا فيما يخص كل أمور حياتنا طوال الوقت حتى يومنا هذا، بإعمال عقولنا والتدبر في آيات القرآن الكريم التي تحث المسلمين على التفكير في مواضع عديدة؛ ووردت فيه لفظة (التفكر) بمشتقاتها حوالي تسعة عشر مرة، وخُتمَت سبع من آياته بقوله تعالى “لقومٍ يتفكرون” في إشارة إلى أنه لا ينتفع بهذه الآيات العظيمة التي تُذْكَر قبلها؛ إلا ذوو العقول المتفكرة.

ما هو الحلال والحرام؟

الحلال هو كل ما أباحه القرآن صراحةً أو ضمنيًا، بعدم ذكره في النص القرآني باعتباره حرام، وبعبارة أخرى، يمكننا أن نقول اختصارًا أن كل ما لم يُذكر صراحةً في آياته على أنه حرام، فهو حلال. وبحسب الحديث الشريف “إن الحلال بيِّن وإن الحـرام بيِّن وبينهما أمور مشتبهات لا يعـلمهن كثير من الناس”. إلا أن مجتمعنا الحديث وتقنياته قد أنتجت مستجدات غير مذكورة صراحةً في الآيات القرآنية من السهل أن تشعر أمامها بالارتباك وتحتار في تصنيفها حلالًا كانت أم حرامًا. إحدى هذه التقنيات الحديثة هي الكازينوهات الإلكترونية التي تزداد شهرةً بين المسلمين في جميع أنحاء العالم، ناهيك عن أن حكومات معظم البلدان العربية تمنع ممارسة المراهنات بالقانون، ومن يبيحها منهم يحرمها على مواطني البلد نفسه.

لماذا يعتبر القمار من المحرمات؟

منذ تنزيل الدين الإسلامي وهو يحرم ممارسات انتشرت في مجتمع قبل الإسلام تُغضب الله على العباد، من بينها لعب الميسر ، لأنه يلهي الناس عن إقامة الصلوات في مواقيتها، ويورث الناس العداوة عندما يفوز البعض ويخسر البعض الآخر، كما هو الحال في الكازينوهات الأرضية، بالإضافة إلى انعدام العدالة في الكسب باعتماد الربح على الحظ فقط. وبناءً عليه، تُقابل كازينوهات القمار بكثير من الصرامة والتعنت في كثير من الدول العربية، خاصةً دول مجلس التعاون الخليجي، إلا أن اتباع هذه الدول لسياسات الانفتاح مؤخرًا والنداء بضرورة تجديد الخطاب الديني وتبني تفسيرات دينية أكثر مرونة وتماشيًا مع العصر الحالي، تتجه دول خليجية عديدة إلى تشغيل كازينوهات قمار على أراضيها، ومن المرتقب افتتاح كازينو قمار في الإمارات بعد أن تعاقدت بالفعل مع أكبر الشركات العاملة في مجال الكازينوهات.

ما هو الميسر من المنظور الإسلامي؟

ما يستدعي حيرة محبي ألعاب الكازينو في عالمنا الإسلامي، هو عدم تطابق صفات الميسر التي وردت في القرآن على الكازينو في عالم اليوم. فالميسر في منظور الإسلام هو ألعاب القمار التي ارتبطت في الجاهلية بعادات مصاحبة لها شاعت في مجتمع ما قبل الإسلام، مثل شرب الخمور وممارسة الزنا وارتكاب الفواحش بكافة أنواعها والتقرب إلى الأوثان لإعانتهم على الربح، حسب وصفه تعالى في الآيتين الكريمتين 90-91 من سورة المائدة  “يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر ويصدكم عن ذكر الله وعن الصلاة فهل أنتم منتهون”، والتي يتنافس فيها اللاعبون وجهاً لوجه لربح مبلغ من المال متفق عليه قبل اللعب، وخلال اللعب، قد تنسيهم الملاهي المصاحبة له أداء الفرائض في مواقيتها، وبعد الفوز قد تتولد كراهية الفائز في قلب الخاسر.

الفرق بين الميسر والقمار

لا بد هنا من التفريق بين حكم الميسر والمعروف بالقمار، واختلف أهل العلم في التفريق بينهما، فمنهم من جعل القمار أعم وجعل الميسر أخص منه، وحصره فيما كانت تفعله العرب من اللعب بالقداح، بينما اتفق الشافعية على أن اللعب بالنرد للهو مكروه فقط لأنه يلهي عن ذكر الله قياساً على الشطرنج؛ وهو مُباح عند المالكيَة لأنه يعتمد على التفكير وليس على الحظ. أما إذا كانت اللعبة مقابل عوض مادي، فإن المال الذي يُكسب من خلالهما ينبغي رده إلى الفقراء إن لم يعرف أصحابه دون إعلامهم عن مصدر هذا المال.

هل المقامرة عبر الإنترنت حلال أم حرام؟

ما أدى إلى تغيُّر توجهات بلدان خليجية عديدة تجاه تشريع كازينوهات القمار، هو إعادة النظر في التفسيرات التي تتسم بالمرونة والتفكر في أسباب نزول الآيات والظروف المحيطة بالمجتمع الجاهلي ومقارنته مع مجتمع اليوم، ومراعاة استناد التفسير على مجمل الآيات وليس بعضها كما قال الله تعالى “أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض”، ولله المثل الأعلى. يقول الله تعالى في كتابه الحكيم؛ سورة البقرة، الآية 219 “يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس وإثمهما أكبر من نفعهما ويسألونك ماذا ينفقون قل العفو كذلك يبين الله لكم الآيات لعلكم تتفكرون”، وفيها يخبرنا الله من فوق سبع سموات أن في الميسر منافع للناس، وفي ظاهر الأمر هي الأرباح الناتجة عنه، وقد تكون هناك منافع باطنة لا يعرفها الجميع، لكن إثمه يتجاوز نفعه بالمقارنة، لذلك يجب التكفير عنه بالصدقة، وهي العفو بحسب ما ذكرت الآية يالكريمة.

حكم مواقع الكازينو في الإسلام

لا تُصاحب ألعاب الكازينو اون لاين المعاصي التي كانت موجودة في ميسر الجاهلية الأولى أو السلبيات الموجودة في الكازينوهات الأرضية التقليدية من اختلاط بين الجنسين وخلافه من المُنكرات، كما أن المراهنة في الكازينو الواقعي تكون وجهاً لوجه على طاولة واحدة، وهي محرمة صراحةً في الإسلام لما يمكن أن يستتبعها من عداوة بين اللاعبين. ويختلف الأمر تمامًا في مواقع الكازينو العربي، حيث لا ينطبق عليها أي شرط من شروط التحريم.

لا مجال للعداوة بين اللاعبين: يتنافس اللاعبون في كازينو الإنترنت مع مولد أرقام عشوائية ولاعبين آخرين خلف الشاشات في أنحاء العالم لا يعرفون أدنى معلومة عن بعضهم البعض، اللهم إلا اسم المستخدم في بعض ألعاب طاولة الموزع المباشر، مما ينفي احتمالية نشوء أي كراهية بين لاعبين لا تعرفهم بالمرة.

مهارة وليس حظًا: لا تعتمد جميع ألعاب الكازينو الإلكتروني على الحظ، وبالتالي لا تأتي الأرباح نتيجة الحظ، بل عن طريق جهد وتفكير وتدريب وتطبيق إستراتيجيات للعب، شأنها في ذلك شأن أي هواية تجلب المال كالرياضات، وإلا لكانت البطولات والأوليمبياد وكأس العالم كلهم حرام.

خير الأمور الوسط: عند اللعب في كازينو إنترنت، أنت من تتحكم في توقيت اللعب حسب أوقات فراغك، وبعيدًا عن أوقات الصلاة وذكر الله أو مواعيد عملك أو أداء واجباتك، مثل أي نشاط تمارسه للتسلية. وبخلاف هذا وذاك، تتيح لك خاصية توافق مواقع الكازينو مع الأجهزة الجوالة إمكانية اللعب أثناء التنقل وهو وقت ضائع بالأساس.

اللعب للتسلية دون أموال: لا يتطلب منك الاشتراك في كازينو الإنترنت أي أموال نقدية، ويمكنك إذا كنت من محبي الكازينو، اتقاء الشبهات واستخدام خاصية اللعب المجاني أو اختيار الألعاب المجانية الكثيرة التي لا تشترط وضع رهان بمال حقيقي أو اللعب في كازينوهات العملات الافتراضية التي لا يكون الربح فيها بأموال فعلية. إنما الأعمال بالنيّات: العمل بقوله تعالى في سورة التوبة، الآية 103 “خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها”، وهي المنفعة الباطنة التي قد ينتفع بها الفقراء والمحتاجين.